Home Arabia Felix ‎اجتماع موسكو الثلاثي التركي الروسي والنظام الأسدي.. ما دوافعه التركية؟

‎اجتماع موسكو الثلاثي التركي الروسي والنظام الأسدي.. ما دوافعه التركية؟

480


Download PDF

‎أثارت اجتماعات وزراء دفاع ورؤساء مخابرات تركيا وروسيا والنظام الأسدي في موسكو بشأن الملف السوري ردود فعل مختلفة لدى كثير من المهتمين بهذا الشأن، إضافة لقوى الحراك الثوري السوري، التي بادرت إلى التظاهر، ورفض أي اتفاق بين هذه الأطراف، خارج القرارات الدولية جنيف1 والقرارين 2118 و2254.

‎على الصعيد الدولي، اعتبرت الولايات المتحدة أن هذه الاجتماعات تتغاضى عن جرائم ارتكبها النظام الأسدي، الذي صدر بحقه قانونان أمريكيان هما قانون قيصر وقانون الكبتاغون.

‎تركيا التي بدت متحمسةً لإعادة العلاقات مع النظام الأسدي وفق تقديراتها السياسية الخاصة، كانت تريد من هذه الخطوة ضرب عدة عصافير بحجر واحد.

‎تركيا تريد بداية من النظام الأسدي في وضعه الضعيف المتهالك أن يقوم ببسط نفوذه على مناطق تهيمن عليها ما يسمى (قوات سوريا الديمقراطية)، وهو أمر لا يستطيع نظام أسد أن ينفذه، حتى لو دعمته روسيا عسكرياً في هذا الأمر، لأن الولايات المتحدة التي تتواجد قواتها في مناطق الجزيرة والفرات (شرق الفرات) لن تسمح بذلك.

‎عجز النظام في بسط نفوذه على مناطق تسيطر عليها ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية، ستجعل بالضرورة تركيا في وضع من يطالب ويفرض على النظام الأسدي تعديل اتفاقية أضنة التي وقعها نظام حافظ أسد عام 1998، والتي تستطيع بموجبها القوات التركية مطاردة وشن هجمات على إرهابيي حزب العمال الكردستاني المتخفين في مناطق حدودية في الشمال السوري، بعمق خمسة كيلومترات داخل الأراضي السورية.

‎تركيا تريد أن يوافق النظام الأسدي على تعديل تلك الاتفاقية، بما يتفق والاتفاق التركي مع كلٍ من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، والذي ينص على انسحاب تام لميليشيات قوات سوريا الديمقراطية إلى عمق ثلاثين كم داخل الأراضي السورية، فإذا تمَ توقيع اتفاق بهذا الخصوص، يمكن لتركيا أن تلجأ إلى شن حرب على قوات سوريا الديمقراطية دون أن تستطيع الولايات المتحدة أن تمنع تركيا من تنفيذ هذا الاتفاق، باعتبار أن النظام الأسدي لا يزال يمتلك تمثيل سوريا دولياً، وليس من حق الأمريكيين الاعتراض على قرار سيادي للنظام الأسدي.

‎تركيا أيضاً تريد من اجتماعات موسكو وما سيتبعها من لقاءات ومفاوضات مع نظام أسد، أن تضغط على هذا النظام المتهالك الآيل للسقوط، من أجل القبول بانخراط جدي في العملية التفاوضية حول القرار 2254، وتحديداً ما يتعلق منه بالسلة الدستورية، التي توقف التفاوض حولها في مفاوضات جنيف.

‎تركيا تريد أيضاً التفاوض حول فتح الطريقين M4 وM5 كي يستفيد الاقتصاد التركي من هذين الطريقين الدوليين لتصدير بضائعه عبرهما براً باتجاه دول الخليج العربي وباقي الدول العربية، ما يخفف من التضخم الذي يطارد الاقتصاد التركي، كذلك فتح الطريقين سيستفيد منه النظام الأسدي في أزمته الخانقة اقتصادياً التي أطاحت بقيمة ليرته، حيث بات سعر صرفها أمام الدولار الأمريكي الواحد يساوي 7500 ليرة سورية.

‎تركيا تريد من فتح باب التفاوض مع نظام أسد طرح مسألة عودة آمنة للسوريين اللاجئين لديها، وهذا يتطلب خطوات مضمونة دولياً، أي أن عودة اللاجئين يمكن أن تكون على مراحل، أولاً، أن يتوقف كل عمل عسكري ضد مناطق الشمال السوري، ما يسمح بخلق شروط استقرار يعود بموجبها أبناء هذه المناطق إلى مناطقهم، ثم يمكن أن تسير العملية التفاوضية لتنفيذ القرارات الدولية التي صدرت عن مجلس الأمن.

‎تركيا تدرك أنه ليس بمقدورها ومقدور روسيا تنفيذ حلٍ سياسي دون موافقة أمريكية، فالأمريكيون موجودون في شرقي الفرات والتنف، والأمريكيون صرحوا أنهم يقفون ضد قطار التطبيع مع نظام أسد، وهذا يعني أن لا حل في الأفق القريب تستطيع روسيا وتركيا حمل وزره لوحدهما، ما يجعل إمكانية رضوخ النظام لمطالب تركيا بتعديل اتفاقية أضنة مكننة مقابل فتح الطريقين الدوليين.

‎تركيا ومن خلال هذه الانعطافة بالجهد الديبلوماسي، تكون قد سحبت ورقة تتداولها قوى المعارضة التركية من أجل خوض انتخابات الرئاسة صيف 2023. فهي صارت وفق ضخها الإعلامي قريبة من إقامة علاقات مع نظام أسد، وقريبة من تنفيذ برنامج إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم خلال وقت قريب.

‎روسيا التي تغرق ساعة بعد أخرى في مستنقع حربها على أوكرانيا، تريد أن تكسب تركيا كحليف، وهذا يتم عبر منح تركيا مساحة تحرك جيدة، لتحقيق اختراق في فرض حل سياسي، وعبر جعل تركيا مركزاً لتوزيع الغاز القادم منها نحو أوربا ومناطق أخرى تحتاجه.

‎روسيا التي تستنزفها حربها ضد أوكرانيا، لم يعد بمقدورها دعم نظام أسد اقتصادياً، ولهذا فسحت لتركيا فرصة ضغط غير علنية على هذا النظام، ولا يستطيع النظام التهرب مما يفرضه الروس، سيما وأن إيران التي زار رئيسها دمشق منذ أيام تريد صكوك ملكية لثروات سوريا، في وقت يبدو فيه نظام أسد قريباً من ثورة حاضنته الجائعة، ومن عجز تام عن تلبية حاجات من يحكمهم بالقوة.

‎التصريحات التركية تعد بأن تركيا أردوغان لن تُقدم على التفريط بحلفائها من المعارضة السورية، بل أنها ستعيد ترتيب أوراقهم العسكرية والأمنية والاقتصادية في مناطق الشمال السوري، تحضيراً لهم للمشاركة بحل سياسي يقارب 2254. وهم يطالبونهم بعدم سوء الظن والإساءة لتركيا كضامنٍ لدفع عملية تفاوض من أجل حل سياسي تنتهي بموجبه أزمة السوريين اللاجئين والنازحين أنى كانوا.

لقد عودنا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي قال عنه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إنه لاعب شطرنج دولي محترف، إشاره لذكائه، على مناوراته ودبلوماسيته الحاذقة.

فالرجل خلال سنوات رئاسته قفز بتركيا لمصاف الاقتصاديات الكبرى. ولكن مناوراته الحالية في الملف السوري ليست ككل المناورات السابقة. فالحرب الروسية على أوكرانيا غيرت كثيراً من التفاهمات والتوازنات والتشكلات والأولويات للدول النافذة. وانحراف تركيا الآن أكثر مما يجب تجاه روسيا، عن طريق التقارب مع نظام أسد حليف بوتين، من أجل التصدي للحليف الأمريكي في المنطقة المتمثلة بقوات سوريا الديمقراطية، سيتم قراءته في أمريكا والغرب على أنه تحرك معاد موجه من الجانب الروسي بأياد تركيا ضد أمريكا والناتو في معركتهم في صد الهجوم الروسي على أوكرانيا. وهذا ما سيغضب الناتو لأبعد الحدود ليدفعوا باتجاه لعب دور في تقليل فرص إعادة انتخاب الرئيس التركي.

إن سلوك الرئيس أردوغان خطة بوتين بإعادة التطبيع مع نظام أسد ستضر بفرص إعادة انتخابه أكثر مما لو لم يفعل ذلك. فالرئيس أردوغان ليس بمقدوره مواجهه دول الناتو والغرب.

السوريون الأحرار الذين يقدرون ويثمنون عالياً ما قدمته تركيا والرئيس أردوغان لهم، يأملون أن يدرك المسؤولون الأتراك مخاطر خططهم في إعادة التطبيع مع بشار أسد، رئيس نظام الكبتاجون، المجرم الإرهابي المنبوذ دولياً، ويحثونهم على إعادة النظر والانسحاب باكراً قبل أن يتضرروا منها. ويأملون بإعادة التواصل الحثيث مع الولايات المتحدة لحل الأمور المتعلقة بالأمن القومي التركي والإرهاب الذي يهدده.

‎هل سيكون التحرك التركي إنذاراً أم مفتاح ‎الحل في سوريا؟. لنراقب بحذر ما يفعله الأتراك وما وعدوا به السوريين.

Print Friendly, PDF & Email

Autore Redazione Arabia Felix

Arabia Felix raccoglie le notizie di rilievo e di carattere politico e istituzionale e di sicurezza provenienti dal mondo arabo e dal Medio Oriente in generale, partendo dal Marocco arrivando ai Paesi del Golfo, con particolare riferimento alla regione della penisola arabica, che una volta veniva chiamata dai romani Arabia Felix e che oggi, invece, è teatro di guerra. La fonte delle notizie sono i media locali in lingua araba per dire quello che i media italiani non dicono.