Home Arabia Felix تشكيل ونبض قصائد.. سحرٌ يبتدعه أسعد فرزات ونوري الجرّاح في باريس

تشكيل ونبض قصائد.. سحرٌ يبتدعه أسعد فرزات ونوري الجرّاح في باريس

729


Download PDF

حين تتلبس القصيدة ألوان الفن التشكيلي، ستكون هناك تجربة مزجٍ بين عالمين، جذراهما، مخيّلة إبداع، وأدواتهما فضاءات لغةٍ وألوانٌ وموسيقى روح.

هذا التلبس الحَداثَوِيّ بين قصيدة دَفقتها مخيلة نوري الجرّاح، ولوحات ترتدي مفردات انزياح لغوي، يُحدث رعشات في روح مسكونة بانتظار فجرٍ، لم تتشكل بعدُ قطراتُ نَدَاه، إنما يرسم مربعه الجديد في صالة باريسية، تكتظ بحضورٍ تشده براعة الخلق الفني والأدبي، وقتذاك تزيح ستارة الحدث نفسها، لتعلن بَدْء افتتاح “معرض حكايا مصوّرة من شرق المتوسط”.

يوم الحدث هذا كان يوم الخميس العاشر من آذار/ مارس 2022، حيث عرض أسعد فرزات التشكيلي السوري المزدحم بوجوه وسحنات بلاده لوحاته، مستلهماً مفرداتها اللونية وخطوطها وفضاءاتها من قصيدة أبدعتها مخيلة شاعر سوري، حمل شرق المتوسط على كاهله وفي روحه، كانت القصيدة تُدعَى “الخروج من شرق المتوسط”.

تجربة المبدعين أسعد فرزات ونوري الجرّاح أحدثت ولادة عالم فني جديد، تذهب فيه اللغة إلى نبض اللون وفضاءاته، ويذهب فيه اللون إلى تهجس لغة راعفة، تُولد من بلاد شرق المتوسط، حيث تنزف سورية ترابها وتاريخها وأبناءها، ليتربع على تلالها وجبالها مَن لا يعرف غير الدمار.

سألنا الشاعر نوري الجرّاح عن قصيدة نقتطع بعضاً من لحمها ونعرضه تحت الشمس:
أَلِأَنَّنِي قدْتُ السفينةَ مرّة
يوم فاض العماء ولم تَعُدْ يابسة هناك
أَلِأَنَّنِي اهتديتُ بالأُفق
لأنقذك من الهلاك
أَلِأَنَّنِي عمّرتُ المدن، ورفعتُ الأسوار وكتبتُ
تُكافئني
بأن تقفل عليَّ اليابسة
فلا يعود لي على سطح هذا الكوكب المجنون
لا شرق ولا غرب
وما أرى
من حطام أيّامي
تحت سماء أيامي
سوى دخان الحرائق
ورماد النهايات

نوري الجرّاح سيُحيي أمسيةً شعرية بعد عشرة أيام، في الغاليري الذي يعرض لوحات التشكيلي السوري أسعد فرزات، قال لموقع “نداء بوست”:

“تحية إلى الفنان أسعد فرزات فهو تعامل باقتدار فني وجرأة أخلاقية مع قصيدة تجسّد أكثر اللحظات أسطورية في حياة السوريين، وتشهد على تراجيديا شعب واجه طاغية، سرت في دمائه كل سموم التاريخ، وتمثّلت في دمامته الإبليسية أبشعُ صور المُسُوخ”.

يضيف الشاعر الجرّاح: “الخروج من شرق المتوسط” قصيدة الاختبار الأكثر ملحمية في القدر الجماعي للسوريين الخارجين من جحيم الهولوكوست السوري، معادلٌ جماليٌّ للوقائع الأكثر شراسة وغرابة في العصور الحديثة”.

الشاعر نوري الجراح

ولكن شاعرنا نوري الجرّاح يرى أن “ما جرى عَبْر عقد من الدم، لشعبٍ طالما اعتبرته الأمم أول من جعل للكلام البشري حرفاً وأبجدية”. مضيفاً: “إنها قصيدة القوارب المبحرة تحت أبصار الأمم، لطرواديين جدد تخلى عنهم التاريخ، وفتحت لهم الأسطورة الأبواب ليكونوا مسرح المأساة وأبطالها التراجيديين وضحاياها الأبرياء، فالسوريون اليوم، هم الصورة المثلى لأمّة تُركت لجلادين ووحوش طفقوا يذيقونها أشرَّ العذابات، ويجرعونها من الآلام صنوفاً”.

الشاعر الجرّاح يذهب إلى قولٍ فصلٍ: “لا بُدّ للسوريين أن يبتكروا لها بأنفسهم أسماء لا قبل لها في القواميس. “الخروج من شرق المتوسط”، التي مَسْرَحَتْها ريشة الفنان أسعد فرزات برهافة تليق بلوعة الكلمة”. معتبراً بحق له: “هي القصيدة الصرخة الأكثر زرقة في وداع المتوسط، والعبور الغسقي نحو أرض وراء الأرض، بعيداً مشرق الشمس، وعن غسيل أمهاتٍ لطخته حمرة الغروب”.

ويعترف الجرّاح، وهو المبدع بانزياح اللغة عن سكونها، حين يقول: “الألوان الصاخبة في لوحة الفنان هي الصرخة نفسها، التي تركها الغريق في شراع القصيدة، مع ذلك فإن القصيدة وصورها المبتكرة في لوحات أسعد فرزات، ليست مجرد صرخات استغاثة، ولكنها صوت الأمل الإنساني، في اللغة وخلائقها، وقطعة من العصب الحي لشعب لا يريد أن يموت”.

لكن أسعد فرزات، وهو المتلبس بابتكار الوجوه الأكثر غرقاً وتعبيراً عن دمامة الواقع وفظاعته، واحتمال الأمل في هذه الوجوه، التي تشرّبت الفجائع والرعب والإحباط والهزيمة والإصرار على الانتصار. يقول لنا: “ليس هناك مجال للتردد، وخاصة، عندما يأتيك هاتف مفاجئ من نوري الجرّاح، ليعرض فكرة لمشروع مشترك، ما بين فضاء الشعر وفضاء الصورة”.

الفنان أسعد فرزات

ويضيف فرزات: “يبدو الأمر مغرياً جداً، لارتباط الأمرين ببعضهما البعض، خصوصاً، أن لديَّ بعض التجارب السابقة في استلهام الكلمة بصرياً”.

مؤكداً -أي فرزات- على أن “الأمر كان مختلفاً مع النص الشعري، الذي طرحه عليَّ شاعرنا نوري، ألا وهو “قصيدة الخروج من شرق المتوسط”.

ويعترف أسعد فرزات بحقيقة ما جرى له آنذاك، فيقول: “بدايةً، شعرت حقيقة أني تورّطت، خاصة بعد أن قرأت النص عدة مرات، فهو نص ملحمي مليء بالمشاهد البصرية، والاحتمالات التقنية المتعددة لإنجاز الصورة، لكن، كلما تعمّقت أكثر بفضاء الكلمة، شعرت أنها ورطة جميلة، منحتني رؤية ذهنية مختلفة تماماً عما أنجزته من تجارب سابقة”.

ويعتبر فرزات هذه التجربة مع نوري الجرّاح بأنها: “تجربة وجدانية خاصة عشتها مع النص، لأني كسوري، أنا جزء من هذه الملحمة وفضائها، لا سيما، أن التجربة المشتركة مع هذه القصيدة الغنية بمشاهدها الملحمية، لا تزال مستمرة، باكتشاف صور تنتمي إلى عوالم بصرية لا تنتهي”.

إذاً، نحن أمام تفاعُل فني جديد، تفاعُل يفجّر فينا مكامن مخيلاتنا، التي ينبغي لها أن تطارد بدهشة عوالم تخصنا، وتمثّلنا، عوالم لا تزال ترعف وتنزف فينا أزمنة اللجوء وذبح التراب الأول، الذي نشبهه ويشبهنا، وفجّره أسعد فرزات عَبْر قصيدة توسلها من شاعر ذهبت به اللغة إلى إدراك المستحيل الذي حلّ بنا، عبر فنٍّ تشكيلي استطاع تفجير صمتنا المريب.

أسعد فرزات
فنان سوري مقيم في سويسرا منذ عام 2015 ،
تخرّج في كلية الفنون الجميلة بدمشق – قسم التصوير الزيتي عام 1986 بدرجة امتياز
أقام العديد من المعارض الفنية في سورية وفي عدد من البلدان العربية، منها تونس والكويت ولبنان، وشارك في العديد من الملتقيات الفنية العربية والعالمية منها:
• معرض فردي لأعماله أقامته مؤسسة EF Eduction first بمدينة زيورخ عام 2020
• معرض فردي بصالة Art 333 بمدينة زيورخ
• معرض مشترك مع خمسة فنانين من العالم صالة Art 333 عام 2021 .
• نال العديد من الجوائز أهمها: الجائزة الأولى في معرض الشباب 1987 الجائزة الأولى في ملتقى فارنا عام 2007 الجائزة التقديرية في ملتقى مسقط 2002 .
• بعض أعماله مقتناة من قِبل المتحف الوطني في دمشق ومركز الفنون البصرية، وضمن مجموعات خاصة في كل من الكويت وتونس ولبنان وإيطاليا وسويسرا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

نوري الجرّاح
شاعر سوري مقيم في بريطانيا وهو من مواليد دمشق 1956،
انتقل إلى بيروت وعمل في الصحافة الأدبية منذ مطلع الثمانينيات،
أدار تحرير مجلة فكر الأدبية،
عمل في مجلة الحوادث وصحيفة الحياة وغيرهما،
يشرف على المركز العربي للأدب الجغرافي “ارتياد الآفاق، وجائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي،
ساهم مع أنسي الحاج وزكريا تامر في تأسيس مجلة الناقد الشهرية الثقافية الحرة وعمل فيها مديراً للتحرير ما بين 1988 – 1993.
من أعماله الشعرية:
الصبي – بيروت 1982
مجاراة الصوت – لندن 1988
نشيد صوت – كولونيا 1990
طفولة موت – الدار البيضاء 1992
كأس سوداء – لندن 1993
القصيدة والقصيدة في المرآة – بيروت 1995
صعود أبريل – بيروت 1996
حدائق هاملت – بيروت 2003
طريق دمشق والحديقة الفارسية في مجلد واحد 2004
الأعمال الشعرية الكاملة صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في مجلدين سنة 2008
قارب إلى ليسبوس – منشورات المتوسط 2016
لا حرب في طروادة – كلمات هوميروس الأخيرة عن منشورات المتوسط في مجلد سنة 2019.
تُرجمت أعماله للغات منها الفارسية والفرنسية والإسبانية والإنجليزية والإيطالية واليونانية والتركية والبولونية والفلمانية.

Print Friendly, PDF & Email

Autore Redazione Arabia Felix

Arabia Felix raccoglie le notizie di rilievo e di carattere politico e istituzionale e di sicurezza provenienti dal mondo arabo e dal Medio Oriente in generale, partendo dal Marocco arrivando ai Paesi del Golfo, con particolare riferimento alla regione della penisola arabica, che una volta veniva chiamata dai romani Arabia Felix e che oggi, invece, è teatro di guerra. La fonte delle notizie sono i media locali in lingua araba per dire quello che i media italiani non dicono.