صدرت حديثا رواية “الخميادو” للصحفي والروائي السوري المقيم في ألمانيا إبراهيم الجبين (ولد 1971)، وتدور أحداث هذه الرواية في أزمنة عدة، منها الماضي البعيد والآني، وحتى المستقبلي.
وتبدأ أحداث الرواية بمشروع بحثي يجمع مهندسين وعلماء آثار وأنثروبولوجيا لمناقشة المدرج الروماني المدفون في دمشق تحت سوق البزورية (جنوب الجامع الأموي في دمشق)، والتفكير في أسباب وجوده وامتداده وخرائطه، وانعكاس ذلك على الحياة العامة، وما يمكن ربطه من خيط العنف الرهيب الذي حكم بلاد الشام عبر آلاف السنين ويحكمها اليوم.
اقرأ أيضا
list of 4 items
سيرة رحالة عربي أم عمل مترجم فرنسي.. كيف تشكلت حكاية علاء الدين الأسطورية بين حلب وقصر فرساي؟
“لم أتوقف أبدا عن الإعجاب بالسودانيين”.. كيف أثّرت زيارة السودان في حياة مالكوم إكس وأفكاره؟
صور دمشق العثمانية كما لم ترها من قبل.. رحلة الإمبراطور الألماني غليوم الثاني نهاية القرن الـ19
رواية “بنات لحلوحة”.. سرد يغطي 5 عقود من التاريخ السوري الحديث
end of list
تستعير الرواية كلمة “الخميادو” التي تصف اللغة السرية لعرب الأندلس، تلك اللغة التي ابتكروها للحفاظ على هويتهم وحضارتهم بعد أن تم منعهم من استخدام اللغة العربية وتهديدهم إن هم نطقوا أو كتبوا بها بإحالتهم إلى محاكم التفتيش.
ولكنّ الموريسكيين اخترعوا حيلة للاستمرار عبر الزمن ولم يركنوا للهزيمة؛ فكانت تلك اللغة مفتاحا لانتشار العلوم والأفكار في العالم كله.
مقاربة تاريخية
ما جرى ويجري في سوريا في العقد الأخير هو حالة مشابهة لماضي الأندلسيين وفق منطق الرواية، لأن اللغة هنا ليست فقط الكلام المنطوق والمكتوب، وإنما المفكر فيه وبه؛ أي النظام الذهني الذي عانى السوريون طويلا من قمعه على يد السلطات وحرمانهم من إطلاق العنان له، مقابل إخضاعهم لنظام يبرمج حياتهم وعقولهم وأحلامهم.
دمشق مركز الحدث، لكن الحدث يمتد ليصل إلى مدن عديدة، من بينها القاهرة وكوبنهاغن وتونس وإسطنبول، ويربط الفرات بينها كشريان حياة، دون أن يكون ممتدا في جغرافيا هذه المدينة أو تلك.
ليعود نهر الحضارات المتدفق -في أحداث الرواية- ويجلب معه المشاهد القديمة، التي ستقابل حادث اقتحام المسجد الحرام في مكة على يد جهيمان العتيبي عام 1979 باقتحام المسجد العمري في درعا على يد جيش بشار الأسد، وما بين لحظتين عاشتهما الشعوب تمرّ الصور القادمة من تفاصيل المكان والشخوص وحكاياتها.
بقايا النازيين والنظام السوري
يواصل الكاتب تقصيه لما يسميها جذور الشر في المجتمع السوري، ومن بينها حلقات النازية التي يكشفها للمرة الأولى بأسماء جديدة، بعد أن عمل في روايته السابقة “عين الشرق” على تسليط الضوء على شخصية ألويس برونر، وهو ضابط نمساوي كبير عمل لحساب النازية في زمن الحرب العالمية الثانية (وتشير تحقيقات صحفية إلى أنه توفي في سوريا -التي تخفّى فيها مدة طويلة- خلال العام 2010).
ولكن هذه المرة سيكون هناك المزيد من النازيين الذين كانوا نجوما في الرايخ الثالث وارتكبوا الفظائع في عهد هتلر، والذين لا يخطر على بال أحد أن يكونوا قد عاشوا وعملوا في دمشق وأثروا فيها وفي المنطقة العربية كلها لما كانت لديهم من ارتباطات خطرة مع شخصيات قيادية صنعت مستقبل أكثر من دولة عربية.
تجربة جديدة أم مغامرة أدبية؟
ومع مسار قهر اللغة وتيار العنف الذي بدأ يترسخ أكثر فأكثر في الشخصية السورية، تتوالد الأحداث والحكايات في الحواشي لا في المتن فحسب، فتتعدد الرواية وكأنها أكثر من عمل روائي في الوقت ذاته.
مغامرة التجريب في الشكل تنعكس في خيار الراوي بأن يضمّن روايته خرائط وتصاميم لأماكن مثل دمشق القديمة أو “رجم الهري” في الجولان (موقع فلكي قديم من العصر البرونزي)، أو حتى في شروحاته التفصيلية للوحات أوروبية اعتبرت غامضة.
وكذلك يظهر التجريب في اختراق الانشطار السوري، هذه المرة عبر رصد اللحظات الأولى لربيع العام 2011 وكيف تفاعل معه السوريون ليس فقط على ضفة الذين آمنوا بالثورة، وإنما من لم يفهمها ومن رفضها ومن وقف عاجزا عن اتخاذ موقف منها في هياكل الدولة وكبار المسؤولين من مختلف المشارب.
المؤلف جزء من الرواية
لعبة الذاتي والعام لا تزال تستهوي الكاتب الذي يطيب له أن يعتبر نفسه جزءا من الحدث والمشهد، دون أن يحرص على أن يكون مركز الحدث، بل شاهدا من شهوده وتفصيلا من تفاصيله، قبل أن ينتقل إلى القضايا الكبرى والفكر والفلسفة.
أبطال “الخميادو” بشر عاديون، وآخرون باتت أسماؤهم لامعة، البعض منهم ترك بصماته دون أن يرغب في الظهور، وآخرون حفروا وجودهم بأظفارهم. والجميع يسير نحو المستقبل الذي سيكون عصيا على التصوير.
وفي الرواية التي تقع في 224 صفحة من القطع المتوسط، يبدو وكأن الراوي يحاول القول إن الحضارة التي نشأت في سوريا هي حضارة واحدة مهما تعددت وجوهها وهوياتها، يجسدها تمثال أو عبارة أفلتت من زمن الأمويين، أو ساعة قديمة على جدار، أو مقتطف من كتاب تاريخ.
ما يربط هذا كله هو الدقة والتماسك، فلم يكن أي شيء مما وقع على الأرض السورية مجرد “عبث”، بل سياقا متصلا سيرحل نحو الكواليس السياسية والأروقة التي اتُخذت فيها قرارات غيّرت مصائر السوريين في ما قبل زمن الثورة، وفي منعرجات الثورة ذاتها.
أسئلة تحتاج إجابات عميقة
الناقد والأديب السوري مصطفى عبد القادر يصف “الخميادو” بأنها رواية تأخذك إلى عبق التاريخ بحدائقه الخلفية غير المنظورة سابقا، تنقلك عبر أزمنة متباعدة شكلا متلاحمة فكرا وفق سياق متصل لا انقطاع في رؤاه الأيديولوجية بعيدة المدى، وذلك عبر ثبوتيات (محرمات) دامغة أعيد اكتشافها وتمثلها، الخيوط فيها ناظمة ومنتظمة.
وتابع عبد القادر للجزيرة نت قائلا إن الرواية اتكأ فيها الحاضر على الماضي، والخلف على السلف، “تكتشف التزاوج الأيديولوجي السيميائي (علم العلامات) وقد اختلط والتحم مع الأنثروبولوجي بتراتبية معمقة مدروسة، كل ذلك وفق استخدام تقنيات فنية فرشها الكاتب بصياغة مقنعة، حيث تداخلت فيها البنى السردية والتحمت مع دلالاتها اللغوية وإشاراتها الرمزية المكثفة، لتفرز معطى بنائيا متماسك الرصف، غني التوصيف، واسع الرؤية، يطرح أسئلة كبرى تحتاج إجابات على قدر من الأهمية والاهتمام”.
المصير السوري يكرر المصير الأندلسي
السيدة بيرين بيرسايجيلي موت رئيسة تحرير دار “فارابي كتاب” (Farabi Kitap) التركية، قالت للجزيرة نت إن رواية “الخميادو” تقدم للقراء صورة مدهشة لتجارب الشعب السوري الذي كان له مصير مسلمي الأندلس نفسه.
وأضافت بيرسايجيلي “يجلب لنا إبراهيم الجبين هذه اللغة العربية السرية التي تم تطويرها للهروب من محاكم التفتيش عبر قصص مختلفة، بعد قرون. إنها تعكس حالنا جميعا من خلال لغة منسية. إنه يذكرنا بالقدر الذي يتعين علينا مواجهته”.
Autore Redazione Arabia Felix
Arabia Felix raccoglie le notizie di rilievo e di carattere politico e istituzionale e di sicurezza provenienti dal mondo arabo e dal Medio Oriente in generale, partendo dal Marocco arrivando ai Paesi del Golfo, con particolare riferimento alla regione della penisola arabica, che una volta veniva chiamata dai romani Arabia Felix e che oggi, invece, è teatro di guerra. La fonte delle notizie sono i media locali in lingua araba per dire quello che i media italiani non dicono.