Home Arabia Felix د. طارق قابيل: مشروع الجينوم المصري والوقاية من الأمراض البيئية

د. طارق قابيل: مشروع الجينوم المصري والوقاية من الأمراض البيئية

457


Download PDF

كاتب ومترجم- عضو هيئة التدريس بكلية العلوم- جامعة القاهرة

دور المشروع القومي للجينوم المرجعي للمصريين للنهوض بمجال الصحة البيئية الدقيقة

يرتبط التعرض البيئي بشكل متزايد بتطور أمراض مثل السرطان والربو والزهايمر وما إلى ذلك. وتسعى دراسة “الصحة البيئية الدقيقة” إلى تحديد هذه الروابط وفهم سبب تأثر بعض الأفراد بتأثيرات التعرض البيئي أكثر من غيرهم.

ويهدف علم الصحة البيئية الدقيقة إلى تحديد كيفية تفاعل التعرض البيئي مع الجينات والبيولوجيا للأفراد للتأثير على الصحة.

ويتضمن استخدام التقنيات المتقدمة وتحليلات البيانات لفهم العوامل البيئية التي تساهم في المرض بشكل أفضل ولتطوير التدخلات المستهدفة للحد من هذه المخاطر.

ما هي الصحة البيئية الدقيقة؟

الصحة البيئية الدقيقة هي مجال بحثي يساعد العلماء على معرفة كيف يمكن للتفاعلات بين البيئة وعلم الوراثة أن تؤثر على صحة الشخص. والأهداف هي منع المرض ومساعدة الأفراد على تقليل المخاطر الصحية الفريدة من التعرض البيئي، حيث يمكن أن تؤثر العديد من العوامل البيئية على صحة الإنسان.

بعض العوامل جيدة، مثل النظام الغذائي الصحي، ولكن يمكن أن تؤدي عوامل أخرى، مثل تلوث الهواء والتعرض لمبيدات حشرية معينة، إلى تدهور الصحة. لكن كيفية استجابة الفرد لتلك العوامل بطرق مختلفة تعتمد على تركيبته البيولوجية الفريدة.

وتدور دراسات الصحة البيئية الدقيقة حول فهم تلك الاختلافات وتطوير جهود الوقاية من الأمراض التي تستند إلى الاحتياجات المحددة للفرد.

ومن خلال دعم البحث في الصحة البيئية الدقيقة، يخطط المعهد الوطني لعلوم الصحة البيئية الأمريكي لتحديد أولئك الأكثر عرضة للنتائج الصحية السلبية من التهديدات البيئية. ومن المتوقع أن تساعد هذه المعرفة العلمية في تحسين جهود الوقاية من الأمراض على المستوى الفردي.

كما يمكن أن تساعد التقنيات الجديدة مثل المستشعرات ورسم الخرائط الجغرافية المكانية وأجهزة المراقبة البيئية الشخصية في التقاط بيانات التعرض البيئي للفرد بمستوى عالٍ من الدقة. ويمكن بعد ذلك دمج هذه البيانات مع البيانات الجينية ونمط الحياة والصحة للحصول على فهم دقيق لتأثيرات الصحة البيئية.

الهدف من الدراسات في هذا المجال هو تطوير تدخلات وسياسات صحية عامة أكثر استهدافًا للوقاية من الأمراض عن طريق الحد من المخاطر البيئية على السكان المعرضين للخطر.

ويمكن أن تساعد مناهج علم الصحة البيئية الدقيقة في تحديد الفئات المعرضة للخطر والعوامل التي تجعلها أكثر ضعفًا.

يحتاج الباحثون من مختلف التخصصات مثل علوم الصحة البيئية، وعلم الوراثة، وعلوم البيانات، وما إلى ذلك، إلى التعاون لتعزيز الصحة البيئية الدقيقة.

ولكن لا يزال هناك العديد من التحديات حول تكامل البيانات، وتطوير المعايير، وترجمة البحوث إلى حلول للصحة العامة.

لكن الصحة البيئية الدقيقة هي نهج جديد واعد لمعالجة الأمراض المعقدة.

يستخدم علم الصحة البيئية الدقيقة مستشعرات جودة الهواء لتحديد المناطق ذات المستويات العالية من تلوث الهواء واستهداف التدخلات لتقليل تلك المستويات.

ويقوم بتحليل البيانات الخاصة بجودة المياه وتحديد أنماط التلوث لتطوير تدخلات هادفة للحد من التعرض للمواد الكيميائية الضارة.

كما يتم دراسة تأثير تغير المناخ على الصحة ووضع استراتيجيات للتخفيف من تلك الآثار. وبشكل عام، تعد الصحة البيئية الدقيقة واعدة للغاية للحد من عبء المرض وتحسين نتائج الصحة العامة.

التغيرات فوق الجينية (اللاجينية أوالإيبيجينومية)

على مدار العشرين عامًا الماضية، جمعت دراسات البيئة والجينات الشخصية، التي قام بها المعهد الوطني لعلوم الصحة البيئية الأمريكي، البيانات الصحية والتعرضية والطبية والجينية من ما يقرب من 20000 مشارك في ولاية كارولينا الشمالية من خلفيات أثنية متنوعة.

ويسعى الباحثون إلى استخدام هذه المعلومات لفهم أسباب الأمراض وتأثيرات البيئة والنظام الغذائي ونمط الحياة والعوامل الوراثية على صحة الإنسان.

وتهدف دراسة أخرى ممولة من المعاهد الوطنية للصحة للاستفادة من الجينوميات الوظيفية في المختبر لاكتشاف والتحقق من صحة الجينات، كما تهدف الدراسة إلى فهم أفضل للعلاقة بين التعرض البيئي والأمراض البشرية.

في المختبر يشير إلى البحث القائم على الخلايا، وعلم الجينوم هو دراسة المجموعة الكاملة من الحمض النووي للفرد.

ويركز برنامج البحث على العوامل البيئية مثل المواد الكيميائية الصناعية والمعادن ومبيدات الآفات ومبيدات الأعشاب وملوثات الهواء والسموم المشتقة بيولوجيًا (المواد الخطرة المصنوعة من النباتات والحيوانات والكائنات الحية الدقيقة).

والهدف هو إيجاد مناهج جديدة في المختبر لفهم وعلاج الأمراض البشرية التي تسببها البيئة.

كما يسعى برنامج آخر إلى فهم كيف تؤدي التعرضات البيئية إلى تغيرات جينية، ودراسة أي تعديلات تتم على الحمض النووي، وتؤثر على التعبير الجيني دون تغيير الكود الجيني الأساسي. وهو ما يعرف باسم التغيرات فوق الجينية (اللاجينية أوالإيبيجينومية).

وترتبط المواد السامة مثل المعادن الثقيلة كالزرنيخ والنيكل بالتغيرات فوق الجينية التي قد تؤدي إلى الإصابة بالسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض المناعة الذاتية والاضطرابات العصبية.

ركزت المرحلة الأولى من المشروع على كيفية تأثير التعرض البيئي على التغيرات فوق الجينية التي تؤثر على الطريقة التي تؤدي بها خلايانا وظائفها الفسيولوجية.

وتركز المرحلة الثانية على توصيف التغيرات فوق الجينية الناتجة عن التعرض البيئي في أنواع مختلفة من أنسجة الخلايا مثل الدماغ والرئة والكبد والجلد والدم.

كما تركز على استخدام أنسجة بديلة يسهل الوصول إليها لتحديد ما إذا كان بإمكاننا ملاحظة التغيرات فوق الجينية في الدم التي ستتنبأ أو ترتبط بالتغيرات فوق الجينية في نوع معين من الأنسجة.

وتم إجراء النتائج باستخدام نماذج الفئران كبداية، للوصول إلى الدراسات الاكلينيكية البشرية.

كانت موسوعة عناصر الحمض النووي الشهيرة المعروفة باسم “إنكود” (ENCODE) التابعة للمعهد القومي للصحة لأبحاث الجينوم البشري مشروعًا تم إنشاؤه لفهم وتحليل الجينوم البشري.

ويمكن للباحثين استخدام بيانات موسوعة عناصر الحمض النووي التي تم دمجها مع بيانات أخرى، مثل المعلومات البيئية لفهم الأمراض والعقاقير بشكل أفضل، وكيف يتفاعل التركيب الجيني للفرد مع البيئة، وكيف تؤثر هذه العوامل على صحته.

ويهدف الباحثون والعلماء إلى استخدام المعلومات التي تم جمعها بواسطة موسوعة عناصر الحمض النووي لتفسير تسلسل الجينوم البشري وتطبيقه لفهم البيولوجيا البشرية بشكل أفضل وتحسين الصحة، وبفضل الفهم الجديد لكيفية عمل الجينوم وفوق الجينوم لدى الناس، وستساعدهم بيانات موسوعة عناصر الحمض النووي على القيام بذلك.

مشروع الجينوم المصري والصحة البيئية الدقيقة

منذ أيام ترأس وزير التعليم العالي والبحث العلمي الاجتماع الثالث لمجلس إدارة المشروع القومي للجينوم المرجعي للمصريين وقدماء المصريين بأكاديمية البحث العلمي بحضور الدكتور خالد عبدالغفار وزير الصحة والسكان، والدكتور محمود صقر رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا ونائب رئيس المجلس، ولفيف من العلماء والوزراء، وأكد الوزير على الأهمية التي توليها الدولة بكل أجهزتها لتنفيذ هذا المشروع القومي الذى يعود بالنفع على المواطنين، ويساعد على التنبؤ بالأمراض الوبائية المُستقبلية، وتحديد طرق مواجهتها، والاكتشاف المُبكر للجينات المُتعلقة بالأمراض الأكثر شيوعا بين المصريين وأفضل البروتوكولات العلاجية والوقائية لها، ومساعدة منظومة الصحة المصرية من الاستفادة من التقدم الطبي في مجال الطب الشخصي، من خلال النتائج العلمية غير المسبوقة التي يُحققها المشروع في هذا المجال.

الجدير بالذكر أن مشروع الجينوم المرجعي للمصريين وقدماء المصريين هو المشروع البحثي الأكبر في تاريخ منظومة البحث العلمي المصرية الحديثة، والذي أعد مقترحه أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا بناءًا على دراسة أجرتها الأكاديمية عن الأولويات والاستعدادات لمرحلة ما بعد كورونا في بداية 2021، وفاز بتنفيذ المشروع تحالف بقيادة مركز البحوث الطبية والطب التجديدي بوزارة الدفاع، ويضم 13 جهة من جامعات ومراكز بحثية من وزارات الدفاع والتعليم العالي والبحث العلمي والصحة والاتصالات، وعدد من مؤسسات المجتمع المدني.

ويضم المشروع نُخبة مُتميزة من العلماء الأجلاء والخبرات الوطنية في التخصصات العلمية ذات الصلة بمشاركة الجامعات المصرية والمراكز البحثية.

ومنذ إطلاق رئيس الجمهورية لمشروع الجينوم في مارس 2021، تم البدء في تجهيز البنية الأساسية لتنفيذ هذا المشروع، والانتهاء من وضع النسخة النهائية للخطة العلمية التنفيذية للمشروع، وتجتمع كافة اللجان العلمية المشكلة بشكل دوري لاتخاذ الإجراءات اللازمة للبدء في الخطوات التنفيذية اللازمة، ومتابعة تنفيذ تكليف السيد رئيس الجمهورية باختصار زمن المشروع مع توفير التمويل اللازم لذلك.

وأشاد الوزير بالجهود المبذولة من جانب أعضاء اللجان العلمية الخاصة بالمشروع، كما أشاد بجهود مركز البحوث الطبية والطب التجديدي بوزارة الدفاع في إنجاز مهام المشروع حسب الخطة بالتعاون مع الجامعات والمراكز البحثية.

وناقش الدكتور خالد عبدالغفار وزير الصحة والسكان، إمكانية الاستفادة من قاعدة بيانات مبادرات ومشروعات الصحة العامة “100 مليون صحة” في مشروع الجينوم المصري، مؤكدًا أهمية المشروع في تحديد الخصائص الوراثية للمصريين، وتحديد الطرق المثلى للوقاية والعلاج من الأمراض.

وأكد وزير الصحة والسكان على تقديم الدعم الكامل لهذا المشروع، والذي سيساهم في تحسين منظومة الصحة العامة والرعاية الصحية، وتحسين جودة حياة المصريين، وتخفيض تكلفة الرعاية الطبية، ورسم خطط وقائية تحمي المصريين من الأمراض والأوبئة غير المتوقعة، وعلاج الأمراض المستعصية، وتطبيق الوراثة الدوائية في العلاج، فضلاً عن تنمية العلوم الطبية، وتنمية صناعات جديدة، وخلق فرص عمل في مجالات جديدة.

وقال وزير الصحة والسكان، أن هذا المشروع يساعد على التنبؤ بالأمراض الوبائية المستقبلية وتحديد طرق مواجهتها، من خلال دراسة العينات التوصل إلى طبيعة كل فيروس والعوامل المُسببة له، وكيفية مواجهته علاجيًا، وتوقع موجات الفيروسات المقبلة، ورسم خريطة بكافة طرق المواجهة والعلاج.

ومن جانبه، استعرض الدكتور محمود صقر تقريرًا مجمعًا عن المشروع، وما تم من توصيات مجلس الجينوم الثاني، مشيرًا إلى إتمام وضع هيكل تنظيمي للمشروع وآليات متابعة التنفيذ، وكذلك توفير التمويل اللازم من الأكاديمية، كما استعرض الوضع المالي للمشروع حتى تاريخه.

وأكد رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا أن القيادة السياسية للدولة تُعطي أولوية كبرى لمشروع الجينوم المرجعي المصري وتوفر كافة الإمكانيات للتنفيذ، موضحًا التعاون التام بين الوزارات والجهات المشاركة في المشروع، مضيفًا أن ما تم خلال العامين الماضيين من عمر المشروع كبير واحتاجت دول أخرى لسنوات كي تنجزه، مشيرًا إلى أنه تم سحب عينات المتبرعين لمشروع الجينوم المرجعي للمصريين في أبريل 2022، ليصل عدد المتبرعين 1124 عينة، وتم الانتهاء من عدد 480 عينة، وإجازة 380 عينة منهم بعد تجاوزهم معايير الجودة المطلوبة من وجهة نظر المعلوماتية الحيوية بنسبة 79.2%، كما تم الانتهاء من عدد 22 عينة من عينات القدماء المصريين.

وفي ظل نجاح هذا المشروع الواعد الذي ناديت بتنفيذه منذ أكثر من 9 سنوات في مقال نشر بجريدة الوطن المصرية تحت عنوان ” خارطة طريق للجينوم المصرى” (https://www.elwatannews.com/news/details/457181)، وذكرت فيه أنه “قد آن الأوان لتتبنى الحكومة المصرية مشروعًا لفك تتابعات جينوم الإنسان المصري، ووضع خارطة طريق لأبحاث الجينوم في مصر، لما فيها من فوائد كبيرة لدراسة الأصول الوراثية، والتنوع الفريد للمصريين، وأمراضهم الوراثية، وتطوير علاجات مستقبلية، فضلا عن مواكبة التطور العلمي المتسارع في هذا المجال البحثي الجديد، للحاق بركب التطور في عالم الجينوم”، أدعو مجلس إدارة المشروع القومي للجينوم المرجعي للمصريين وقدماء المصريين بتبني دراسات التغيرات فوق الجينية والصحة البيئية الدقيقة جنبا إلي جنب مع علوم الجينوميات لربط نتائج المشروع بالأثر البيئي وعلاقته بصحة الأنسان المصري، حيث تتكامل كل هذه العلوم في تفسير نشوء الأمراض المرتبطة بالبيئة، وتوفير علاج ناجع لها.

Print Friendly, PDF & Email

Autore Redazione Arabia Felix

Arabia Felix raccoglie le notizie di rilievo e di carattere politico e istituzionale e di sicurezza provenienti dal mondo arabo e dal Medio Oriente in generale, partendo dal Marocco arrivando ai Paesi del Golfo, con particolare riferimento alla regione della penisola arabica, che una volta veniva chiamata dai romani Arabia Felix e che oggi, invece, è teatro di guerra. La fonte delle notizie sono i media locali in lingua araba per dire quello che i media italiani non dicono.